السؤال: سؤالي: سمعت أن من مات وهو لا يجاهد مع الاستطاعة مات على الجاهلية. فهل هذا صحيح؟
لأنني منذ أن سمعت هذا أشعر أنني عاص وأنني إن مت فأنا في النار، أنا خائف على نفسي من عذاب الله بتركي الجهاد، أجيبوني جوابا حتى أتمسك به.
الإجابــة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو باق إلى يوم القيامة، كما في الحديث الصحيح، وهو بمفهومه العام يشمل أنواعا كثيرة، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد وابن حجر في الفتح وغيرهم أنواع الجهاد.
فذكروا أنه يطلق على مجاهدة النفس والشيطان والفساق والكفار ويدخل في ذلك التعلم والتعليم والدعوة والقتال، كما قدمنا تفصيله في الفتوى رقم: 54245.
وقد وردت نصوص كثيرة في بيان فضله وفضل أهله والحث عليه والترغيب فيه وبقاء تشريعه إلى يوم القيامة.
فمن ذلك ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
وما أخرج أيضًا عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة.
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب الجهاد ماض مع البر والفاجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
قال ابن حجر في الفتح:.... وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل، وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون.
وهو مثل الحديث الآخر: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق.. الحديث. انتهى.
كما وردت نصوص دالة على أن من عزم على الجهاد بصدق وحدث به نفسه ولم يتمكن منه لعدم وجود السبيل المشروع إليه نال من الأجر ما يناله المجاهدون، ولم يلحقه ذم ولا لوم، فمن ذلك قول الله عز وجل:
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ {التوبة:91ـ92}.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر. متفق عليه.
وأخرج مسلم في صحيحه عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
وأخرج أيضا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها.
فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة.
قال العيني في شرح صحيح البخاري: فيه تأنيس لمن حرم الجهاد في سبيل الله، فإن له من الإيمان بالله والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة، لأنها هي غاية الطالبين ومن أجلها بذل النفوس في الجهاد خلافا لما يقوله بعض جهلة المتصوفة.
وبناء على ما سبق تعلم أنه إذا وجد جهاد شرعي مستكمل الشروط فينبغي لكل مسلم المشاركة فيه بقدر الطاقة، ويختلف الحال بين ما كان مستحبا أو واجبا وجوبا كفائيا وقام به من يكفي، فلا إثم في التخلف عنه.
وبين ما كان واجبا وجوبا عينيا فتتعين المشاركة فيه، وإذا مات المسلم قبل التمكن من المشاركة فنرجو له السلامة من الإثم إذا كان صادقا في العزم عليه وحدث نفسه به.
وكان قائما بما أوجب الله عليه من أركان الإسلام.
والله أعلم.
المصدر: موقع إسلام ويب